الحليب الأسود

موقع أيام نيوز

في نهاية المطاف أن الكاتبات لسن أمهات رديئات.
لكنني وأنا أقول ذلك أعرف أن هناك أمثلة على عكس ما ذكرت حالات من الصعب جدا الحديث عنها. هناك كاتبات تمتعن بمواهب رائعة إلا أنهن لم يكن كذلك في أمومتهن. لا نعرف الكثير عنهن. العلاقة التي تبدو محسودة على مظهرها تقول حقائق أخرى تختبئ خلف الأبواب المغلقة. خلف الفوتوغرافات الرائعة والواجهات البراقة هناك أفئدة مسحوقة لا نعرف عنها إلا اللمم.
إحدى الأمثلة المعروفة هي موريل سبارك.
سبارك بلا شك إحدى أهم المؤلفات الملهمات في القرن الماضي. كتبت أكثر من عشرين رواية والكثير من الأعمال الأخرى بما فيها كتب للأطفال ومسرحيات وقصص. وعندما رحلت عن هذا العالم في عمر يناهز الثمانية والثمانين عاما أصدقاؤها وأهلها وناشرو ومحررو كتبها ونقادها وقرائها وصحفيون أيضا الجميع حضر جنازتها. هناك فقط شخص واحد لم يفعل. ابنها روبن.
يحتار المرء. ما الذي اتضح لابنها في ذلك الوقت ابنها الوحيد عندما عرف أنها قد رحلت إلى غير رجعة ليرفض الذهاب إلى جنازتها. كم من الألم والمعاناة يتطلبه هذا الأمر وكيف لأم تعرف أنها ستموت قريبا أن تقضي أيامها الأخيرة وهي تدري أنها ليست على وفاق مع وحيدها كم من الحزن والۏجع قد دفعها لاتخاذ قرار كهذا
ولدت سبارك في إدنبورغ ورحلت عن بلدها بعد فترة وجيزة أعقبت زواجها حيث استقرت في دوديسيا في زيمبابوي حيث عرض على زوجها وظيفة أستاذ هناك. وفي عام 1938م أنجبا إبنا. لا أعلم ما إذا كانوا أكثر تعاسة من العوائل التي عيش هناك من حولهم ولكنها لاحقا بعد مرور بعض الوقت قررت العودة إلى بريطانيا.
لقد رحلت وحدها. هل شعرت وقت أن سارت مبتعدة عن إبنها ذي الست سنوات بأن هذه هي أصعب لحظة في حياتها أم أنها اعتقدت بكل براءة و وفاء بأنها ستعود قريبا مرة أخرى بيد أنها لم تعد على أية حال. كبر روبن على يد أبيه وفي أحضان جدته.
حليب أسود
الفصل 9
الحريم اللواتي بداخلي
الحريم اللواتي بداخلي
المكان في الأسفل مظلم وضبابي. تبدو روحي بمتاهات أزقتها هذه وممراتها السرية موقعا مثاليا لرواية مرعبة أو فيلم عن مصاصي الډماء. أدركت ناظرة يمنة ويسرة أنني مشوشة بالكامل. لقد مشيت هذه الطرق المسدودة والشوارع الخلفية المعتمة مرات عدة لكنني أضيع فيها حتى الآن.
هناك تقاطع في البعد حيث تنشق عنه أربعة مسالك. وأنا أرمش رفعت الشمعة إلى مستوى عيني وحدقت في الضباب الثخين غير المرحب بي. أي مسلك أتخذ الآن أحاول أن أفكر بآلة ضخمة آلة دوارة بين البوصلة ودولاب الحظ. هذا تمرين ذهني أقوم به عندما أتذبذب. رغم أنني لست واثقة من أنه يساعدني حقا. في عين عقلي أدرت العجلة بأقوى ما استطعته انطلقت مسرعة ثم انتظرتها تبطء وتبطء حتى وقف مسمارها مشيرا على الحرف غ. قررت سريعا أن هذا يعني أن أتجه غربا. وبانقياد تام اتجهت لذاك السبيل.
هناك في مدينة دقيقة التنظيم مثل بروكسل في شقة أنيقة وحديثة التصميم مفروشة باعتدال تعيش الآنسة العملية القصيرة. إنها جانب مني الجانب الذي يتمتع بمنطق سليم وواقعية عالية. كبست على جرس بابها وأثناء ما كانت تتحقق من هويتي عبر كاميرا المراقبة على الباب سمعت طنينا وانفتح قفل الباب لأدخل. ها هي! تجلس إلى طاولتها مفعمة بالحيوية في ملابس رياضية. على الصحن أمامها شطيرة من جبنة الماعز وشرائح من الدجاج التركي المدخن على قطعة من الرغيف الأسمر. وإلى جانب الصحن مقدار قليل من شراب الكوكا الخاص بالحمية. إنها تراقب وزنها منذ عرفتها. بالكاد يبلغ طولها إحدى عشر سنتيمترا ونصف وبالكاد تزن نصف كيلوغرام. ترتدي ملابس عادية ومريحة قميصا منشما لونه بيج ونظارة بإطار كامل أحمر وبنطالا بنيا كثير الجيوب لتبقي أشياءها في مطال يدها. تندس قدماها في صندل جلدي. شعرها الأشقر الداكن كان قد قص كي يكون قصيرا ولا يحتاج لأي تصفيف وجهد يكفيه أن يغسل وحسب سائل الشامبو وسائل ترطيب الشعر ممزوجان في علبة واحدة!. أما تجفيف شعرها فهو أمر بعيد تماما عن الحدوث.
قالت بمرح
? يا هلا! الكبيرة وصلت.. ما الذي جرى عليك شكلك مريع للغاية.
أجبت متذمرة
? بلى شكرا.
سألت
? طيب وش جديدك
ولسبب ما لا
تم نسخ الرابط