على الأم الجديدة خلال الأربعين يوما الأولى من ولادتها أن تبقى في حفاوة و رفقة من تحبهم. فهي إن تركت لوحدها و لو للحظة واحدة فستكون فريسة هجمات الجن ټغرق ضحېة لطوفان الهموم و القلق و المخاۏف. لهذا تقوم العوائل التقليدية حتى الآن بتزيين فراش حديثة الولادة بشرائط قرمزية و ينثرن بذار الخشخاش المقدسة في أرجاء الغرفة لطرد أي روح شريرة تحوم في الهواء.
لا أحاول هنا القول بأن علينا الاقتداء برزمة من الخرافات أو أن على الرعاية الصحية أن تصرف لحديثة الولادة حبال زينة مشكوكة بفصوص الثوم أو خرز العين الحافظة من الحسد التي تعلق على ستائر سرير المرأة الوالد. ما أقوله هو أن النساء في عصور ما قبل الحداثة من خلال حكاياتهن القديمة عن المتزوجات و عاداتهن و معتقداتهن ميزن حقيقة لم نعد نعرف كيف نقر بها تعبر المرأة خلال حياتها بمراحل انتقالية صعبة فالعبور من مرحلة إلى أخرى ليس سهلا كما قد يبدو إذ تحتاج الكثير من المساعدة و الدعم و النصيحة قبل أن تعود بأكملها للحياة في الزمن الحاضر مرة أخرى. وفيما هي تسير من يوم إلى آخر ټصارع و تواجه المشاكل و تتدبر أمرها. تمر أوقات تتعثر فيها آلة جسدها و تنعطب. هذه هي الحكمة القديمة و البسيطة التي لا نعيرها اهتماما في سعينا لنكون قويات و ناجحات و دائما في أوج كمالنا.
شخصية السيدة الركيكة التي تضعف و تحتاج الآخرين ليست مشهورة بين السيدات و الشخصيات النسائية الأخرى في جيلنا. لم يعد أحد يعرف أين رحلت. إلا أن هناك شائعات تقول بأنها منفية في جزيرة في المحيط الهادئ أو في قرية على مشارف جبال الهملايا. الجميع سمع بوجودها لكن يحرم النطق باسمها عاليا. عندما يأتي أحد على سيرتها في أماكن عملنا و مدارسنا و منازلنا نخاف العواقب. و رغم أنها ليست مدرجة في قائمة أشد المطلوبين للعدالة في جهاز الإنتربول إلا أنه لا يرغب أحد بأن تربطه بها أية علاقة.
لا شيء مما قلته يتنكر للأمومة كونها أعظم هدايا الحياة. إنها قالب يعيد تشكيل طينة القلب و يجعل الإنسان متناغما مع إيقاع الكون. هناك سبب لتقول ما لا يحصى من النساء بأن الأمومة هي أحسن ما جرى عليهن في الحياة. أتفق مع ذلك من أعماق قلبي.
غير أن المرأة لا تصير أما بمجرد الإنجاب. بل عليها أن تتعلم الأمومة إنها معرفة يأخذ استيعابها عند البعض وقتا أطول من الآخرين. فهناك مثيلاتي من يجدن أنفسهن يرتعشن حتى العظام من هول التجربة. لا أقول بأن الانتقال إلى مرحلة الأمومة أصعب على المبدعين من غيرهم إذ أنني رأيت نساء من جميع مشارب الحياة يخضن كل الذي مررت به نفس الأغنية الكئيبة و لو بدرجات متفاوتة. ربما أكثرنا قوة و ثقة هن في الحقيقة أكثرنا هشاشة. و من المثير أن هذا الدولاب النفسي قد يدور ببساطة في الولادة الثانية أو الثالثة أو حتى السادسة كما دار في الأولى تماما.
الحوامل برغم كل شيء مثل ندف الثلج لا تتشابه اثنتان منها تماما.
حليب أسود
الفصل 3
مانيفيستو الفتاة العزباء
لو أن المرأة التي بجانبي كانت قطة لكانت تستلقي في سلة وثيرة بالقرب من مدخنة بالكاد ترفع جفنيها من الترف أو أنها ستكون متكومة في حضڼ صاحبتها تموء مستأنسة و تلوح بذيلها كيفما يحلو لها. لو أنني كنت قطة لكنت أجلس متلهفة عند إفريز النافذة طوال اليوم أرقب السيارات العابرة و المشاة المهرولين و لكنت هربت من المنزل نحو العالم الواسع في الخارج عند أول فرصة سانحة.
يجلس إلى جانب المرأة صبي في الثامنة من عمره تقريبا و آخر أخوه أصغر منه و يستعير ملامحه بشكل مبهر. يرتديان نفس الجينز و نفس القمصان الكحلية المخططة بالأبيض و يحملان نفس الألعاب بين أيديهما رجال عسكريون من البلاستيك يرتدون الأخضر الداكن بعضلات مفتولة و عدة كاملة في اليد الأولى قنبلة بمسمار معد للسحب و التفجير و في الأخرى كلاشينكوف. كلاهما يمضغان علكة كبيرة بحجم حبات البندق ينفخونها فقاعات تلو أخرى. و كلما تفرقعت إحداها أجفل كأنهم أطلقوا الڼار على أحد ما بتلك