الحليب الأسود

موقع أيام نيوز

الحدث و لم تكن فرضيتهم الثانية عني صحيحة أيضا إذ أعادو كرهي للأبيض إلى أنني متحيزة دوما ضد الأطباء البشريين و أطباء الأسنان و فنيو المختبرات الناس الذين يرتدون الأبيض دوما.
على كل حال في ذاك اليوم من شهر أيار تحليت باللون الذي أفضله الأسود. أما أيوب فقد ارتدى بنطالا أسودا و قميصا أبيضا إكراما للعادات إلى حد ما.
حليب أسود
الفصل 2
جدتي لأمي امرأة لطيفة و قدسية و غفيرة بالخرافات. بعد أسابيع من مشاهدتها بكائي المتواصل وضعت كفي بين كفيها و همست بصوت أنعم من المخمل طفلتي العزيزة عليك أن تستجمعي قواك. ألست تعرفين بأن كل دمعة تذرفها الأم الجديدة تجعل من حليبها حامضا أكثر.
لم أكن أعرف ذلك.
وجدت نفسي أفكر في تلك الصورة مالذي سيحدث لو أن حليبي صار خاثرا هل سيصبح قاتما و يأخذ هيئة أكثر ثخانة و دكنة. لم تقم هذه الفكرة بتنبيهي أكثر بل أشعرتني بالذنب. و كلما حاولت التوقف عن البكاء كلما زادت رغبتي به. كيف حدث أن كل امرأة عرفتها قد تأقلمت مع الأمومة بسهولة أما أنا فلم أستطع ذلك أردت إرضاع طفلي من حليبي كأفضل ما أستطيعه و لأطول فترة ممكنة لكنني لم أتمكن من ذلك. صورة إفسادي لحليبي استمرت بإزعاجي في النهار و بالھجوم علي حتى من داخل أحلامي.
بعدها في أحد الصباحات بعد أشهر من الاكتئاب و التقوقع و محاولات العلاج الفاشلة استيقظت مدفوعة للكتابة مجددا و جلست إلى مكتبي. الهدوء وقتها يعم المكان سوى أصوات مراكب صيد بعيدة و طفلتي تنام في مهدها الهزاز. نسائم من شذى الياسمين في الهواء و السماء فوق مياه البوسفور شاحبة الزرقة حتى كادت أن تخلو من أي لون. و بغتة انتابني ذاك الحس الباعث على ارتياح عميق بأن كل شيء كان ولا يزال على مايرام. كما قال جلال الدين الرومي الليل ينجب النهار. نستطيع البدء بالحياة من جديد في أي وقت و أي مكان.
لا بأس ذعرت و لم أتوقف عن البكاء. لا بأس خفت و ما كان بيدي أن اكتب و أمارس الأمومة في نفس الوقت. لم يكن حليبي أبيضا كالثلج لا بأس في ذلك أيضا. ربما أقدر لو بدأت الكتابة عن تجربتي هذه أن أجعل من حليبي المسود حبرا. فللكتابة دوما تأثير ساحر يشفي روحي أقدر أن أشق طريقي خارجة من هذا الاكتئاب.
في ذاك اليوم تحديدا وضعت طفلتي في عربتها و دفعت بها خارجة من المنزل إلى هدير الشوارع. كنت حذرة في البدء ثم أكثر جرأة حتى رحت أسأل من أصادفهن من النساء عن تجاربهن مع اكتئاب ما بعد الولادة. فوجئت أن الكثيرات منهن قد مررن باضطرابات عاطفية مشابهة لتلك التي مررت بها. لماذا لم نعرف أكثر عن ذلك لطالما قيل لي أن النساء يقفزن من السعادة فور أن يحملن مولودهن بين أذرعهن. لم يقل أحد أنهن أثناء قفزهن فرحا قد تصطدم رؤوسهن بالسقف و يمسين دائخات بعض الوقت.
أثناء كتابتي لكتابي هذا حليب أسود أجريت محادثات عديدة مع نساء من كل الأعمار و الأصناف. ببطء و ثبات حل الهدوء علي و عرفت أنني لست وحدي. أعانني ذلك كثيرا. يبدو مضحكا أن تقوم فتاة أمضت حياتها تفخر بقدرتها على العيش وحيدة بالبحث عن السلوى و العزاء عند ما لا يحصى من الناس. لكنني مع ذلك اخترت ألا أغرق في ذاك البحث فالحقيقة بسيطة اكتئاب ما بعد الولادة شائع جدا أكثر مما نريد أن نصدقه نحن كمجتمع.
من المثير أن النساء قد خبروا ذلك في الأيام الخوالي. جدات جداتنا كن على علم بكل اضطرابات ما بعد الولادة و لذلك أفضل تدبيرا لها. و قد نقلن معرفتهن لبناتهن و حفيداتهن. بيد أننا اليوم مبتعدون عن الماضي حتى أننا لا نملك مدخلا لحكمتهن تلك. فنحن النساء العصريات عندما يصيب دواخلنا العطب و العياء نخفي علاماتهما و أعراضهما بأحدث تقنيات التجميل. نظن أن بإمكاننا الولادة اليوم و المضي في حياتنا بشكل طبيعي غدا. البعض منا يستطعن ذلك بالطبع. المشكلة أن بعضنا الآخر ببساطة لا يستطعن ذلك. الكبيرات في السن في تركيا يؤمن بأن
تم نسخ الرابط