الحليب الأسود

موقع أيام نيوز

حليب أسود
الفصل 1
الكاتب إليف شفاق
شاطفة الأواني المحظوظة
ها نحن ذا أنا و أمي عالقتان في متاهة من مشاعر حلوة مشوبة بمرارة مشاعر لا يدخل مغارتها سوى الأمهات و بناتهن. فرغم أنني فاجأتها بأخبار مباغتة إلا أنها تجاوبت معي بطريقة جعلت قلبي يمتلئ نحوها بالعرفان و قد شكرتها لوقوفها إلى جانبي و تشجيعي.
أوه حبيبتي لم أقصد أن أكون لطيفة معك أو أن أقف إلى جانبك أبدا. أنا مثل شاطفة أواني فقيرة التقطت ورقة يانصيب ملقاة على الرصيف صدفة لتجد أنها قد ربحت الجائزة الكبرى.

أحسب أنني ألفت رموز أمي و شفراتها لكنني هذه المرة لم ألتقط ما رمت إليه فورا. خۏفي أنني لم أفهم يا أمي.
لكن الأمر واضح يا عزيزتي. أنت خفت من أن أستاء منك عندما عرفت أنك تزوجت سرا في بلد بعيد و عندما وجدت أنني لم أعر الأمر أدنى اهتمام شعرت بالامتنان. أليس ذاك صحيحا
أومأت برأسي بلى.
هل رأيت! وحدها الأم التي تأمل أن ابنتها ستتزوج يوما ما من يخيب أملها عندما تعرف أنها فعلت ذلك من وراء ظهرها. و بصراحة لم أتوقع أبدا أن تتزوجي يوما!. بدى لي أنك آخر من يمكنه الارتباط على وجه الأرض!. لذا لم أذهب لأبتاع ورقة يانصيب كل أسبوع و أعلق أحلامي عليها. هل يبدو ذلك منطقيا الآن
للتو بدأ حديثها يتضح لي.
ثم أردفت بحماس بالغ بعد أن ابتهجت لحصولها على انتباهي كله هكذا تقبلت الوضع كما هو و أكملت حياتي. ثم يوما ما و من لا شيء صادفت ورقة اليانصيب هذه على الرصيف و وجدت أنني قد ربحت الجائزة. هذا ما شعرت به عندما سمعت بخبر زفافك مذهولة و محظوظة مثل شاطفة الأواني تلك!.
تزوجت في برلين قبل وقت قصير. لم يكن اختيارنا هذه المدينة لعقد قراننا مصادفة. إذ بدى أن ما نقوم به بالنسبة لنا على الأقل لا يقل دهشة عن البغتة التي أعيد فيها توحيد ألمانيا. نحن أيضا مثل شرق برلين و غربها كنا سويا لفترة ثم انفصلنا و الآن نعود لبعضنا. تحلينا أنا و زوجي ولا نزال بشخصيات مختلفة اختلاف الشيوعية عن الرأسمالية. أيوب رجل مهذب و ذا روح كريمة حصيف و عاقل على الدوام و قد أعطي أن يكون مستتبا نفسيا و متمتعا حقا بصبر النبي أيوب الذي أخذ عنه اسمه. أما أنا فعلي أن أشير لكل ما يعاكس سجاياه تقريبا بدءا بسريعة الڠضب و متسرعة و عاطفية و فوضوية.
لقد أحجمنا عن إقامة زفاف لنا إذ لم يكن أحدنا مولعا بالطقوس و المراسم. هكذا و ببساطة دلفنا السفارة التركية في جادة كاباوم و أعلنا عن رغبتنا في الزواج. و هناك أثناء ذلك متشرد يجلس على دكة بالقرب من مدخل السفارة يزدحم رأسه بالأفكار و القمل و وجهه يتقلب في السماء يتدفئ بسعادة تحت الشمس. خطړ لي أن يكون شاهدا على زفافنا لكنني عندما حاولت سؤاله الدخول معنا لم يكن يتحدث الإنجليزية و لم أكن أتحدث الجرمانية و لغة الإشارة التي ابتكرناها للتو بيننا لم تكن رفيعة بما يكفي لتتناول موضوعا غير معتاد كالذي أردته. هكذا وهبناه علبة سجائر مالبورو مخففة فبادلنا الامتنان بابتسامة تخلو من الأسنان. أعطانا أيضا إصبع شوكولاة ملفوف بغلاف ذهبي قام بأناة و لفترة طويلة بدعكه حتى أضحى ناعما. قبلت هديته جذلانة و اعتبرتها فأل خير.
لم أرتدي ثوب زفاف. ليس لأنني لا أتذوق مثل هذه الشعائر المتوارثة و حسب بل لأنني لا أرتدي ثيابا بيضاء على الإطلاق. فكرت مرارا و لأوقات طويلة و معقدة في قدرة الناس على ارتداء البياض. لم أكن أستطيع لسنوات تحمل حتى الجلوس على أريكة بيضاء. لكنني على مهل تشافيت من هذه العادة. وضع أصدقائي و صديقاتي عدة فرضيات حول سبب كرهي للون الأبيض. إنهم يعتقدون أنني في طفولتي وقعت داخل مرجل قدر كبيرة من الأرز بالحليب خلافا لما حدث ل أوبيليكس عندما سقط في مرجل من الدواء السحري لم أحصل على طاقات خارقة من وراء سقوطي فانتهى بي الحال إلى كره اللون وحده لا الرز بالحليب. غير أنني لا احمل أي ذاكرة لمثل ذاك
تم نسخ الرابط